كتبت: الشيماء حويرة
تتكرر تحديات سونيا الأم الفاضلة مع ابنها الوحيد مؤمن الذي رغم اصابته باضطراب طيف التوحد إلا أنه استجاب لكفاح والدته معه طوال اثنا عشر عاما، نستأنف حديثنا مع الجزء الثاني وفراشة حرة رغم تكسر جناحيها، من المدهش أن تظهر أعراض التوحد على مؤمن في نفس التوقيت الذي اكتشف فيه والدي سونيا أصابتها بشلل الأطفال.
ففي عمر العامين بدأت سونيا تلاحظ عدم استجابة طفلها وعدم تواصله مع المحيطين به ، ما عدا اهتمامه بالأشياء المادية التي كان ينظر إليها طويلا كعادة أطفال التوحد في هذا العمر، وعند تأخره في الكلام والنطق، بدأت تعرضه على ثلاث أطباء من تخصصات مختلفة ، طبيب مخ وأعصاب وأخصائي نفسي وطبيب تخاطب وثلاثتهم أجمعوا على نفس التشخيص وهو اضطراب التوحد، وتقول سونيا عن وقع هذا الخبر على نفسها : كنت أعتقد أنه مرض ميئوس منها في بادىء الأمر ولكن بعدما قرأت عن الاضطراب علمت أنه بالتدريب والتنمية المهارات ليس مستحيلًا أن يؤهل للحياة كانسان طبيعي، وعن آراء المحيطين بها من الأقارب والأصدقاء حول هذا الخبر ، أن بعضهم نافر من فكرة العلاج وأن ذلك غير مجدي أي ضياع وقت وهدر مجود بلا طائل، والبعض مشفق دون أن يبدي أي مساعدة حقيقية مادية ملموسة في حياة مؤمن، تردف سونيا أنها صارت أمام تحدي كبير وهو مناصرة قضية مؤمن بمفردها، وأنه يستحق التعب وأنه يمكنه التحسن والاندماج في المجتمع.
هل هناك تحديات أخرى ؟ أجابت : نعم الكثير أولها جهلي بالمعلومات عن حالة ابني ، فبدأت أثقف نفسي بنفسي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكذلك كنت أحضر جلسات تنمية المهارات حتى أتعلم كيفية التعامل معه ، ومن التحديات أيضا أنني أربي مؤمن بمفردي أغلب الوقت معًا، وبسبب الشلل وصعوبة حركتي فلم أكن ألبي جميع احتياجات ابني، ولكني حاولت جاهدة أن أقوم برعايته، ومن التحديات أيضا حركة مؤمن الكثيرة بسبب أنه لا يشعر بجسده في الفراغ، كأى طفل توحدي يعاني من عدم تكامل حسي ، حركته الزائدة تعرضه للخطر دائما والحوادث ، فمنها سبيل المثال : تسلق مكانًا عاليًا وكاد أن يسقط منه لولا عناية الله، وتذكر أنه كان يلعب بدراجته أمام شقتها وغفلت عنه لحظة فترك اللعب، ثم اتجه نحو الشارع واختفى، فبسبب إصابتها لم تتمكن من النزول الى الشارع للبحث عنه، فلجأت إلى جارتها التي سارعت بالبحث عنه ووجدته ، كان يبلغ تقريبا الرابعة من عمره ، وتخبرنا أيضا عن تحدي آخر وهو أن تجد مركز تنمية مهارات يعمل مع مؤمن بلا مهدئات حيث كانت ترفض إعطائه المهدئات التي وصفها الأطباء له كي يهدأ، ليتمكن الاخصائيين والمعلمين من التعامل معه، ولكن الأم أصرت أن يذهب ابنها إلى اخصائيين يعملون مع مؤمن بدون مهدئات التي من وجهة نظرها ما هي الا تخدير للمشكلة، ومن التحديات أيضا التي واجهتها مع ابنها المصاب بالتوحد، متابعة طبيب مخ وأعصاب من القاهرة كل ثلاثة شهور، حتى لو كانت مريضة لم تتخلف مرة عن ذلك .
هل يمارس مؤمن رياضة ما؟ نعم ، السباحة ساعدته كثيرا في تقليل حركته بدأت معه في عمر السابعة وتحسن كثيرا معها.
هل تعلم مؤمن القراءة والكتابة والحساب؟ نعم وقد اعتمدت طريقة لتعليمه القراءة من خلال الاستماع لقناة القرآن الكريم التي تظهر كلمات الآيات على الشاشة، فتعود مؤمن عليها وتمكن من الربط بين الصوت والكلام ، هذا حسن كثيرا من اللغة لديه .
جانحة كورونا هل تأثر مؤمن سلبيا بها؟ لا ، بالعكس كانت منحة لقد سحبت منه دواء فرط الحركة تدريجيا طالما أنه لن يتعامل معه أحد غيري، فأنا والدته يمكنني تحمل حركته الكثيرة ، وأكملت معه تنمية المهارات وكذلك الأكاديمي ، وكنت أذاكر له على سبورة وفي مرة سهوت عنه ، فوجدته يرسم أشياء من ذاكرته على السبورة، فاكتشفت حينها موهبة الرسم لديه، فأحضرت له معلمة رسم تعلمه بين الحين والآخر فنيات رسم اللوحات، وقد بدأت أبيعها كنوع من التحفيز لديه .
ما أسوأ شيء مر بك طوال مسيرة رحلتك مع مؤمن؟
إصابتي بالجلطة دماغية أصابت الأطراف التي اعتمد عليها في إدارة شؤني، وكذلك تأثر النطق لدي وهذه المحنة جعلتني أتوقف لمدة سنة عن رعاية "مؤمن" وأسباب الجلطة ضغوط نفسية واجهاد بدني منذ معرفتي تشخيص "مؤمن" كنت أعاني نفسيًا ولم أتمكن من تخطيها مدة طويلة.
هل إصابتك بالجلطة كان محنة أم منحة ؟
كانت منحة بالطبع ،فهناك دروس مستفادة من الجلطة، لقد كنت طول الوقت في سباق غير عادل مع الوقت بالنسبة لمؤمن طول الوقت تحت ضغط نفسي أحاول موازنة بين قدراته الحالية والقدرات المفروض أن يكون مكتسبها لو كان طبيعيًا وهذا جعلها تبذل مجهود أكثر وأكثر لكي يعوض ما فاته ،كما كنت أتأثر بكلام الناس وتثبيطهم الدائم لما أبذله من مجهود كنت أبذل مجهودا في استمالة الذين لا يناصرون قضية ابنها كان من الممكن أن أبذله في شيء أكثر نفعًا، كما تعلمت درسًا مهمًا أن حالها قبل الجلطة أفضل من بعدها، فكل الأخطاء تداركتها بعد الجلطة ،وبعد المعافاة منها بدأت مرحلة تختلف تمامًا من قبلها في حياتي وابنها تعتقد أنني وقفت على أرض ثابتة بعد الجلطة ،فقد وصلت لحالة التصالح مع النفس والاستقرار الذهني وهما مفتاح النجاح وبدايته، فبدأت أجد متسع لنفسي لمساعدة الآخرين عن طريق السوشيال ميديا،حيث بدأت في الفيس واليوتيوب وتيك توك التواصل بكل الطرق مع الأمهات اللائي لديهن أطفال مصابون بالتوحد.
هل هذا التواصل أفادك ؟
نعم ، لقد أثقلت تجربتي واستفدت أيضا من تواصلي مع الأمهات وسمعت الكثير من كفاح أمهات مثلي، فاكتشفت أن حالي أفضل بكثير، ثم بدأت التحول التدريجي من التواصل الافتراضي مع الأمهات الى أرض الواقع، وبدأت أشعر بالرضا عن نفسي،كما أن ابني استفاد من مساعدتي للغير، بتحسنه المستمر.
ما هو طموحك للفترة القادمة؟
هدفي التوسع في الارشاد الاسري ودعم أمهات التوحد ،وأسعى أن أعمل مذيعة في إحدى القنوات ،لأقدم خبراتي بشكل أوسع للأمهات توعية ودعمًا،فهدفي الاستمرار في دعمي لابني ولأمهات التوحد.
إرسال تعليق