U3F1ZWV6ZTI4MzIwMDE5NjkzNTY5X0ZyZWUxNzg2NjcxNzI3OTEzMA==

ملامح عن حياة المرأة في بلاد المغرب خلال العصر الوسيط - جريدة الهرم المصرى نيوز

ملامح عن حياة المرأة في بلاد المغرب خلال العصر الوسيط

 

 

بقلم / أماني السيد حسونة 

باحثة ماجستير في التاريخ الإسلامي 

أعطى الإسلام المرأة اهتمامًا كبيرًا ونظر إليها نظرة تبجيل  واعتزازٍ، فالمرأة هي الأم والأخت والابنة والعمة والخالة والجدة والزوجة شريكة الرجل في تَحَمُّل مسؤوليات الحياة، وقد كلَّفها الله مع الرجل في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض، وتربية الأبناء وتنشأتهم تنشئة سوية، وجعلها على درجة واحدة مع الرجل في التكريم والإجلال.

مما لا شك فيه أن الإسلام  أعطى للمرأة حقوقها بعد أن عانت في الجاهلية (ما قبل الإسلام) من ضياعها ومن أهم تلك الحقوق الحق في الحياة حيث عرفت عادة وأد البنات عند العرب قبل الإسلام . كما أن النبي محمد ﷺ  وسَّع حقوق المرأة لتشمل حق الميراث والتملك والزواج والنفقة وغيرها .  أيضاً ، فقد نهى النبي محمد عن الإساءة للنساء فأمر بمعاملتهن بالحسنى والرحمة،  ففي صحيح الترمذي يقول النبي محمد ﷺ: (أَكْمَلُ المؤْمِنين إيماناً أحْسَنُهم خُلُقاً، وَخِياركم خيارُكم لِنِسائهم). ويقول النبي محمد ﷺ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ)   وتفسير ذلك عاملوهما بلينٍ ورفقٍ، ولا تكلفوهما ما لا يطيقانه، ولا تقصِّروا في حقهما . أيضا أوصى  النبي بالنساء في خطبة الوداع حيث قال : «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي». 

فالنساء شقائق الرجال ،لهن حقوق وعليهن واجبات تلائم فطرتهن وتكوينهن فلا يقوم مجتمع ولا ينهض إلا بكليهما ، ومن منطلق ذلك نتطرق للمرأة ووضعها في بلاد المغرب خلال العصر الوسيط ،فلقد كان للمرأة دور هام بدأ هذا الدور وانطلق من الأسرة .

تعد الأسرة هي النواة الأولى لأي مجتمع ، وكان الزواج هو اللبنة التي على أساسها تشكلت تلك الأسرة ، ولو نظرنا لوجدنا أن بعض الرجال في بلاد المغرب عزفوا كلية عن الزواج وذلك لأسباب شتى قد تكون اقتصادية أو صحية أو اجتماعية أو حتى أسباب ثقافية ، وذلك عكس المرأة التي سعت بكل السبل للارتباط بالرجل .

كان حق اختيار المرأة للزوج نسبياً ويرجع ذلك لطبيعة البيئة التي تعيش فيها أو مكانتها الاجتماعية أو للعادات والتقاليد التي لعبت دوراً هاماً في مجتمع المغرب.ومن الملاحظ أن الزواج في معظمه لم يتم على أساس الحب والمشاعر ، وإنما تم على أساس  صلة القرابة ، فلم تستطع المرأة التعبير عن مشاعرها إلا فيما ندر حيث كانت تواجه بالرفض والاستنكار الذي كان يصل في بعض الأحيان إلى العنف والقتل .وكان عقد الزواج يتضمن الشروط التي حفظت للمرأة حقوقها ، كما اختلف الصداق من فتاة لأخرى على حسب المرتبة الاجتماعية التي تنتمي لها .

تمتعت المرأة المغربية بمكانة رفيعة في المجتمع تلك المكانة التي اختلفت باختلاف البيئات والفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع ، حيث شاعت ظاهرة الانتساب للأم ، بمعنى أن يُنسب الرجل لأمه مثل القائد داوود بن عائشة ، أيضاً فقد نُسبت بعض الأماكن لنساء بعينهن ، ومدح الشعراء لهن أو حتى رثائهن .

لعبت المرأة المغربية دوراً هاماً في الحياة الثقافية خاصة في ميدان العلوم والآداب ، وإن كان إسهامها في مجال العلوم العقلية محدوداً ،وفي الوقت الذي كان لنساء العائلات الأرستقراطية وجواري القصور أثرهن في ميدان العلوم والآداب ، انحصر المستوى العلمي للمرأة العامية في معرفة القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم.

كان للنساء المغربيات سواء كن حرائر أو إماء دورهن في الحياة الفنية ، إلا أن الإماء توغلن في بعض المجالات عن غيرهن مثل الغناء والموسيقى والرقص ، في حين كان للحرائر دورهن في فنون الخط والزخرفة التي كان لها صلة وثيقة بازدهار الثقافة ونشر العلم .

ولو تطرقنا للدور السياسي للمرأة المغربية ، لوجدنا أنها شاركت بشكل فعال في النواحي السياسية وذلك إما بسبب طموحها أو لرغبة السلطة السياسية في الاستفادة من جهودها .

فمثلاً ، نجحت أحياناً في تدعيم الحكم لبعض الأمراء والساسة ، كما لعبت دور الوساطة السياسية كما لعبت دوراً هاماً في تولية بعض الشخصيات لبعض الخطط المهمة أو حتى عزلهم منها .

أيضا فقد كان للمرأة دوراً هاماً في حل كثير من الأزمات السياسية من خلال الزواج السياسي 

كما حدث أثناء الصراع بين تميم بن المعز ( ٤٥٤- ٥٠١ه‍ / ١٠٦٢ – ١١٠٨م )  والناصر بن علناس الحمادي ( ٤٥٤- ٤٨١ه‍ / ١٠٦٢ – ١٠٨٨م ) ذلك الصراع الذي انتهى بتزويج تميم بن المعز لابنته الأميرة بلارة للناصر بن علناس.

أيضا تم الاعتماد على بعض النساء لتنفيذ بعض الاغتيالات السياسية ، كما حدث عندما قام الأمير الأغلبي أبو العباس عبد الله بن إبراهيم (١٩٧- ٢٠١ه‍ / ٨١٢ – ٨١٦م) بالاتفاق مع أحد أتباعه أن يرسل هدية للإمام الرستمي عبد الوهاب تشتمل على خادمة ،والتي تكفلت بوضع السم في طعام الإمام الرستمي ، إلا أن أمرها قد كُشف واعترفت بالمؤامرة .

 عسكرياً ، كان للنساء دوراً في  الحروب ، حيث صاحب بعضهن الجيوش لشحذ همم الرجال وتحريضهم على القتال أو حتى تقديم الدعم المادي وإعداد الطعام وسقي الماء وخدمة الرجال ، وتضميد الجرحى والمرضى منهم ، أو حتى المشاركة  في وضع الخطط العسكرية ، كما حدث مع زينب النفزاوية التي ساعدت يوسف بن تاشفين في الاستيلاء على بلاد المغرب التي فتحها برأيها وخططها حسب قوله  ، أو المشاركة الفعلية في القتال كما حدث مع فانو بنت عمر بن يينتان أحد كبار رجال المرابطين التي كانت تقاتل الموحدين وتدافع عن قصر الحجر وهي بزي الرجال ، ولم يعرف الموحدون أنها امرأة إلا بعد موتها كما ذكر البيذق في اخبار المهدي .

مما سبق نستشف أن المرأة المغربية لعبت دوراً هاماً في مختلف النواحي سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو حتى السياسية ، تلك الأدوار التي أكدت على مكانتها ودورها البارز لنهضة هذا المجتمع وأن ذلك المجتمع لم يكن مجتمعاً ذكورياً بحتاً  بل كانت المرأة أحد دعائمه التي نهض بها .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة