بقلم /هيام الرمالي
إستيقظت علي نحيب أمي وهي تردد كلمات (البرغوثي) وتقول : يا مدرك الثأرات إن ثأرا وجب
جئناك فإحكم في اليهود وفي العرب
وسمعتها تقول باعوكي اليوم جميعهم
من سيدفع الدية ؟
أركان :ما الخطب يا أمي ؟ من البائع ومن الشاري وما السبب ؟ وأي دية ؟
قالت أمي :بيت لاهيا اليوم تتنهد حزنا وألما ووجعا يا أركان ،لقد أبيدت عن بكرة أبيها من قوات الإحتلال الإسرائيلي يا أركان وأجبر أهلها علي النزوح منها وإخلائها ؛تشتكي إلي الله عجزها وخزي العرب ،لقد غربت شمس أمس وبيت لاهيا خاوية تماما من جميع سكانها (شيوخها وشبابها ونسائها ورجالها وأطفالها) حتي مزارعها ؛ حتي أنهم قد إقتحموا مستشفي كمال عدوان وقاموا بقتل المرضي والطواقم الطبية ولا مجيب لندائنا ....من سيدفع الدية ؟
أركان : عن أية دية تتحدثين يا أمي ؟
ولم أكن أعي حينها معني الدية يا جدي حليم ولكن حديث أمي كان يستدرجني للتساؤل وكأنها كانت تعي ذلك وتتعمده كي لا أنسي القضية والأحداث ،كانت أمي تخبرني بكل ما يحدث لأحمل الثأر بين ضلوعي وأكون شاهدا علي التاريخ .
الجد حليم :وماذا أخبرتك عن الدية ؟
أركان :قالت لي حينها أنه في الفقه الحنبلي إن مات أحدهم جوعا وجب علي جيرانه الدية ...وصغار غزة وكثيرا من أهلها ماتت جوعا بعدما نفدت من القتل والتدمير ،وهنا سألتها
من سيدفعها ومن يستطيع يا أمي؟
قالت أمي :هناك بقعة واحدة باقية يا أركان مازال بها وميض أمل ،أرى شعبها غير جميع الشعوب فهو حقا مختلفا كليا ؛نظيفا نقيا بل وناصع البياض كنقاء الحليب ،فهو يطرد الشوائب سريعا ويتغير إن إختلط بغيره بما لا يناسبه ،فهو يرحب بالإختلاف ولكن ليس كل إختلاف ،يرفض ماهو غير مستساغا معه ،تراه نافعا دائما لا يفسد أبدا ،فإن ترك للبكتريا تعبث به تحول لزبادى وهو أكثر نفعا من الحليب وإن فسد تحول للجبن وكذلك هم المصريون ،لا يفسدون أبدا فهم أصحاب حضارة وعقيدة ونخوة مهما حاول المحيطون الضغط عليهم أو التآمر عليهم وتوريطهم أو إضعاف قواهم ،فهم لا يستجيبون أبدا ،ولا تنخر قواهم ،أينما وجدوا هم خير الشعوب وخير الجيوش بل إن أرضهم خير تراب الأرض وأنقاها وآخرها خرابا .
فالوعي الشعبي بالشارع المصري والرأى العام المصرى لا يتقبل هذا الكيان ولا الإحتكاك به بل ويعيىّ جيدا أن بيننا وبينهم كرة ثانية ودم وينتظرون ذلك ويتأهبون له ،أتدري يا كنان سيكون النصر حليفهم إن تدخلوا لنصرتنا ؛ أما الحكام
فربما مقيدون بالمعاهدات والبروتوكولات بينهم وبين حكومة الإحتلال مصالح مشتركة وربما مقدمة علي مصالح الشعوب ،فالسياسة لها إعتبارات مختلفة ،ورغم ذلك فهم يعلمون الخطر الوجودي لميلشيا الإحتلال بالمنطقة وحلم الكيان الإسرائيلي بالنيل وسيناء وتعديهم علي قناة السويس ،فمصر وميلشيا الإحتلال الإسرائيلي لا يتفقان أبدا حكاما ومحكومين .
الجد حليم : وهل كنت تعلم حينها بيت لاهيا يا أركان ؟
أركان :كنت أعلم أنها بالشمال منا ،شمال غزة ولكني لم أكن اعلم أنها تقع شمال جباليا بالقرب من بيت حانون وخط الهدنة لعام ١٩٤٩مع إسرائيل ويقطن بها حوال ٥٩٥٤٠نسمة منذ عام ٢٠٠٦ .
الجد حليم : هل لبي أهل الكنانة النداء ؟
أركان : في تلك الآونة لم أكن أعرف شيئا عن أرض الكنانة وأهلها ولكني أؤمن بما تقوله أمي وبمن تثق بهم أمي وأخذت أردد هل ستدفعين الدية يا كنانة عز الإسلام ؟
هل تستطيعين ؟
والحقيقة يا جدي أنها لبت النداء ولم تخذلنا ؛ فذات يوم من الأيام جاءتني أمي مسرعة وتخبرني عن تحرك مفاجئ لجيش الكنانة وتمركزه في سيناء ويافا المصرية وتقول بدأت الصحوة يا أركان جيش مصر في حالة تعبئة .
أركان :ماذا يعني ذلك يا أمي؟
أمي :ربحنا جيلا كنا نظن أنه نسي القضية !
أركان : لم أفهم شيئا حينها ولكني كنت سعيدا لسعادة أمي .
الجد حليم : كانت تحب مصر كثرا .
أركان : كانت تحبها حبا جما لا يقل عن حبها لفلسطين يا جدي ،ومن منا لا يحب مصر وأهل مصر يا جدي !
في تلك الآونة كانت قوات الإحتلال الإسرائيلي تضرب لبنان وسوريا واليمن وتبيد فلسطين إبادة تامة ؛مدينة مدينة وشبرا شبرا وكانت الإمدادات تأتيهم من كل دول العالم بلا إنقطاع فقد إجتمعت جموع الكفر وراياته علينا حينها ،وكأن أرض الكنانة سمعت أنين غزة ولبت نداء أمي وقالت (لبيك فلسطين ...لبيك يافا ) وإنضم جند مصر وجند اليمن لنصرتنا
ولم ينتظروا باقي العرب ،وكأنهم يقولون نحن نستطيع ونحن لها ،وضربت بكل المعاهدات والقيود عرض الحائط ،ووجهت ضربة عسكرية ضد ميليشيا الإحتلال ،وهنا إنضم كل جند الشام .
الجد حليم:أعلم معني جند مصر وجند الشام سويا فقد اخبر النبي صل الله عليه وسلم عنهما .
أركان :حقا يا جدي إنهم قوة لا تقهر إذا تركوا النعرات والفتن الطائفية وإتحدا تحت راية الدين ،وتدخلت بعض القوي الاخري حفظا لماء الوجه ليس إلا .
الجد حليم : وربما مرغمة علي الإنضمام فمصر دولة ذات وزن بالمنطقة وسيطرة علي من حولها من العرب وربما بينهم إتفاقيات دفاعا مشتركا .
أركان: ربما يا جدي وربما لأنها الساعة الحاسمة ،وتدخل بعض بنو الاصفر وهم قوة لا يستهان بها .
الجد حليم : تقصد روسيا
أركان :نعم ،وكل حلفائها وإن صح القول الإتحاد السوفيتي أكمل ؛ ربما لحماية مصالحهم بعدما إنضموا لحلف الشرق الاوسط الكبير ،وكانت حربا عظيمة أكلت الاخضر واليابس وأعادت بلاد المسلمين وهيبتهم ،وقضت علي جميع الجيوب الإستيطانية الحديثة ،وخرجت جميعها من المنطقة .
أخبرني يا جدي لماذا أسميت أمي يافا؟
يُتبع /أسميتها يافا .
إرسال تعليق